إن الرضى من جملة ثمرات المعرفة ، فإذا عرفته رضيت بقضائه ، و قد يجري في ضمن القضاء مرارات يجد بعض طعمها الراضي .
أما العارف فتقل عنده المرارة ، لقوة حلاوة المعرفة .
فإذا ترقى بالمعرفة إلى المحبة ، صارت مرارة الأقدار ، حلاوة ، كما قال القائل :
عذابه فيك عذب و بعده فيك قرب
و أنت عندي كروحي بل أنت منها أحب
حسبي من الحب أني لما تحب أحب
و قال بعض المحبين في هذا المعنى :
و يقبح من سواك الفعل عندي فتفعله فيحسن منك ذاكا
فصاح بي الهاتف : حدثني بماذا أرضى ؟ قدر أني أرضى في أقداره بالمرض و الفقر ، أفأرضى بالكسل عن خدمته ، و البعد عن أهل محبته ؟ فبين لي ما الذي يدخل تحت الرضى ، مما لا يدخل ؟
فقلت له : نعم ما سألت فاسمع الفرق سماع من ألقى السمع و هو شهيد .
إرض بما كان منه ، فأما الكسل و التخلف فذاك منسوب إليك ، فلا ترض به من فعلك .
و كن مستوفياً حقه عليك ، مناقشاً نفسك فيما بقربك منه ، غير راض منها بالتواني في المجاهدة .
فأما ما يصدر من أقضيته المجردة التي لا كسب لك فيها ، فكن راضياً بها ، كما قالت رابعة ـ رحمة الله عليها ـ و قد ذكر عندها رجل من العباد يلتقط من مزبلة فيأكل ، فقيل : هلا سأل الله تعالى أن يجعل رزقه من غير هذا ؟ فقالت : إن الراضي لا يتحيز و من ذاق طعم المعرفة ، وجد فيه طعم المحبة ، فوقع الرضى عنده ضرورة .
فينبغي الإجتهاد في طلب المعرفة بالأدلة ، ثم العمل بمقتضى المعرفة بالجد في الخدمة ، لعل ذلك يورث المحبة .
فقد قال سبحانه و تعالى : لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه . فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، و بصره الذي يبصر به .
فذلك الغنى الأكبر .. و وافقراه
No comments:
Post a Comment